الذي يطلع على كثير مما يكتب عن النظرية
النسبية العامة يلاحظ تركيزا شديدا على
أهمية الحقيقية التجريبية و الرياضية في نفس الوقت المعروفة بمبدأ التكافؤ في فهم
النسبية العامة وهو ما يؤكده مكتشف النظرية في كل كتاباته عن النظرية مع أن صياغته
لهذا المبدأ تغيرت باستمرار منذ مرحلة الاستكشاف ثم إكتمال النظرية و ظهورها ثم ردوده
على التساؤلات و الانتقادات التي ظهرت فيما بعد . حيث نغيرت نظرته لاشياء أخرى مثل
دور ما يعرف بمبدأ ماخ في النسبية العامة و إدخال ثابت في المعادلة التي تلخص
النظرية الا أن النظرية نفسها لم تتغير و
كذلك التأكيد على أهمية دور مبدأ التكافؤ.
ان لمبدأ التكافؤ صيغ كثيرة بعضها نتائج لبعض
و بعضها مكافئ لبعض و بعض هذه الصيغ لا تصح الا في فيزياء ما قبل النسبية ومن الخطا تعميمها بعد
أخذ الاعتبارات التي ادخلتها النسبية العامة لفهم ظاهرة الجاذبية.
ان
من أقدم الملاحظات المعروفة المتصلة بمبدأ التكافؤ هي سقوط الاجسام ثقيلها و خفيفها الى الأرض بنفس
الطريقة وتنسب عادة لجاليليو و قد حاول بعضهم نسبتها لهبة الله بن ملكا البغدادي ولكن هذه الملاحظة أقدم من ذلك فقد ذكرها قبلهما
الفيلسوف الروماني لوكريتوس قبل أكثر من عشرين قرنا في قصيدته الفلسفية
"طبيعة الأشياء".
ويلاحظ أن
مبدأ التكافؤ هو التوطئة التقليدية لتقديم الفكرة الأساسية للنسبية العامة
وهي رد ظواهر الجاذبية الى انحناء الفراغ الذي تسببه المادة بدلا عن نظرية تجاذب
الكتل التي قدمها نيوتن من قبل و مع ذلك فإن الدور المحدد لمبدأ التكافؤ لا يكاد
يذكر في الكتب أبدا.
توجد صيغة لمبدأ التكافؤ شائعة جدا وبخاصة في
كتب تبسيط العلوم تقول أن حركة الراصد الذي يسقط سقوطا حرا في مجال جاذبية تجعل
مجال الجاذبية بالنسبة له ملغيا تماما وكذلك الصيغة المكافئة لها التي تقول أن
الراصد الذي يتحرك متسارعا في الفضاء
الخالي من الجاذبية تكافئ حالته الراصد غير المتسارع الموجود في مجال جاذبية . ومع بساطة هذه الصيغة و اتفاقها الظاهري مع التجربة
بحسب فيزياء نيوتن حيث تكون كل خصائص مجال الجابية ممثلة في حركة الأجسام إلا أن هذه الصيغة و مكافئتها لا تتفق مع
النظرية النسبية نفسها التي يفترض أن يكون مبدأ التكافؤ مدخلا لها ذلك لأن مقاييس
مجال الجاذبية داخل المادة في النسبية العامة وهي كميات هندسية بعضها يتأثر بحركة الراصد لكنه
لا يمكن أن يتلاشى ابدا مهما كانت حركة
الراصد (المقصود الكمية المعروفة بمقدار ريتشي الممتد) ثم أن بعضها لا يتأثر أصلا
بحركة الراصد (المقصود الكمية المعروفة بمقدار ريتشي القياسي) كما ان مقياس مجال الجاذبية العام المعروف بممتد ريمان كذلك لا يمكن ان يلغى باي حالة للراصد ولهذا فإن وجود مجال
الجاذبية في النسبية العامة شئ مطلق لا يمكن أن يلغى بأي حالة من حالات الراصد
ولذلك تكون لمجال الجاذبية خصائص لا يمكن أكتشافها فقط بمراقبة سقوط الأجسام . إن
شيوع هذه الصيغة و صدورها عن بعض قادة علماء الفيزياء في العقود الأولى التي تلت
ظهور النسبية العامة مع وضوح تناقضها مع نتائج النسبية العامة أدى الى إرتباك شديد
لعلماء اخرين و خاصة المعروفين بالتدقيق في الجوانب الرياضية حتى ذهب بعضهم الى حد إنكار أن يكون لمبدأ
التكافؤ أي معنى و بالتالي أي دور في النسبية العامة. يقول سينجي :
إني لم أستطع أبدا ان أفهم
مبدأ التكافؤ هذا فهل هو يعني أن اثار مجال الجاذبية لا يمكن تمييزها عن اثار
تسارع الراصد ؟ إن كان كذلك فهذا خطا ...إن مبدأ التكافؤ كان له دور القابلة عند ولادة
النسبية العامة وأظن الان أن هذه القابلة قد رحلت و قبرت معززة و مكرمة لتواجهنا
الحقائق حول الطبيعة المطلقة للفراغ[1]
لكن لم يكن من السهل على كثير من الفيزيائيين
التضحية بهذا المبدأ دون المقاومة المعتادة لترك المبادئ التي أعتبرت هامة وبخاصة
إذا ارتبطت تاريخيا بنظرية راسخة مثل
النسبية العامة فبذلت محاولات كثيرة لإنقاذه وكان بعضها غير موفق مثل التي تحتفظ
بالمبدا كما هو ولكن تحصر مجال تطبيقه في الأماكن التي يكون فيها مجال الجاذبية
غير متغير ولكن الخطا في هذه المحاولة أن انتظام مجال الجاذبية يرتبط بشدته وهذا
واضح حتى بالنظر للموضوع من وجهة نظر قوانين نيوتن فمجال الجاذبية الذي تسببه كتلة
ما يقترب من الانتظام حيث نبتعد من الكتلة المسببة له والذي يؤدي أيضا الى نقصانه
بحيث لا ينتظم مجال الجاذبية انتظاما تاما الا اذا انعدم تماما وهذا يعني ان مبدا
التكافؤ بهذا القيد المضاف اليه لانقاذه لا يصح الا في انعدام مجال الجاذبية حيث
لا نحتاج له ومع ذلك مازالت هذه الطريقة لتصحيح مبدأ التكافؤ الى يومنا هذا تتسرب
الى الكتابات العلمية و حتى المتخصصة منها . ثم ظهر اتجاه اخر صحيح لانقاذ المبدأ
لكن مع التضحية ببعض قوته وهو صياغة مبدأ التكافؤ كما يلي: عندما يسقط الراصد
سقوطا حرا في مجال جاذبية فان مجال الجاذبية لا يلغى كله لكن خصائصه التي تتحكم في
تحديد مسارات الأجسام الحرة تلغى ( المقصود هو الكمية المعروفة برمز كريستوفل وهو
كمية نسبيية تتأثر بحالة الراصد ولكنها ليست ممتدا) وفي ذلك يقول اينشتين في رسالة إلى صديق له:
إن قاعدة التكافؤ لا تقول إن
مجال الجاذبية يمكن توليده بتسارع انظمة الإسناد فهي فقط تؤكد أن خواص الفراغ
الفيزيائي كما تظهر نفسها في الانظمة المتسارعة تمثل حالة خاصة من مجال الجاذبية {2}.
لحسن الحظ فإن هذا النقص في قوة هذه الصيغة لمبدأ
التكافؤ لا يلغي الدور الهام له في
التمهيد للنسبية العامة و ذلك لأن سقوط الأجسام الحرة بنفس الطريقة والذي هو نتيجة
لهذه الصيغة هو الذي يتيح التفسير الهندسي لظاهرة الجاذبية لأنه اذا كانت حركة
الأجسام في مجال الجاذبية تعتمد على خصائصها فهذا سليغي الفكرة الأساسية للنظرية
وهي أن المادة تؤثر في الخواص الهندسية للفراغ التي تتحدد تبعا لها المسارات التي
تتبعها الأجسام الحرة . وبهذا تكون قاعدة التكافؤ هي حقيقة بدونها لا يمكن ان تصح
الفكرة الاساسية للنسبية العامة ولكنها لا تقود منطقيا الى النسبية العامة كما
يتصور البعض و يمكن بلغة المنطق ان نقول أن النسبية العامة تقود الى مبدأ التكافؤ
وليس العكس ولكن التسلسل التاريخي لأكتشاف النظريات العلمية لا يساير التسلسل
المنطقي بالضرورة فكثير من النظريات لابد أن تكتشف وتفهم بهذه الطريقة المعكوسة.
ان موقع قاعدة التكافؤ في النظرية النسبية
كنتيجة منطقية لها ومدخل تعليمي جيد لتقديمها يعتبر من أهم النواحي التي تفوقت
فيها النسبية العامة على معالجة نيوتن لموضوع الجاذبية لأن ظاهرة سقوط جميع
الأجسام جميعا بنفس الطريقة في فيزياء نيوتن ومع أنها لا تتعارض مع اي مبدا الا
أنها تقف منطقيا بمعزل عن قانون التجاذب الكتلي الذي وضعه نيوتن فلا يوجد أي تفسير
في فيزياء نيوتن لهذه الظاهرة ولا يمكن طبعا أن يكون تساوي الكتلة التثاقلية(الكتلة
التي تدخل في قانون التجاب) والكتلة القصورية (الكتلة التي تدخل في القانون الثاني
للحركة) هو التفسير لأنه يحتاج كذلك لتفسير.
( الكاتب سيقبل وينشر اي تعليق او تساؤل او نقد بناء او
هدام بشرط ان لا يخرج عن الموضوع )
No comments:
Post a Comment