Tuesday, 5 December 2023

تجربة القارورة، هبة الله البغدادي

#مسألة_القارورة #من_كتاب_المعتبر لهبة الله البغدادي المتوفى 547ه‍. يقول هبة الله: وقال قوم بوجود الخلاء [الفراغ] وقال قوم بلا وجوده أصلا و احتج كل فريق بحجج قد لا يستغني طالب الحق عن تصفحها و ابطال الباطل وتحقيق الحق فيها... (#المبطلون_للخلاء استدلوا) بما يُرى من تعاقب الماء والهواء. ( #المثبتون_للخلاء ردوا ) بأن الماء و الهواء انما يتعاقبان على مكان بقدر حجم كل واحد منهما وقد يخلو كله و بعضه و إذا خلا جذب الى نفسه .. ويستدلون على ذلك بأنهم يقولون أنا اذا مصصنا قارورة مصا قويا ثم سددنا رأسها على اثر المص ولم نفتحه حتى نكبها في الماء رأيت الماء ينزرق داخلا فيها صاعدا ولا يخرج منها هواء وذلك لأنه يدخل الى الموضع الخالي الذي خلأ بما امتصصناه من الهواء، ولو لم نمصها حتى يخرج منها ما خرج من الهواء لم يدخل الماء الا بخروج الهواء، ولو لم ينزرق صاعدا و انما أصعده جذب الخلاء فذلك الهواء الذي يضطر الى خروجه في دخول الماء هو الذي أخرجناه بالمص و بقدر ما أخرجناه منه دخل من الماء و انقسر صاعدا يجذب الخلاء. ويقولون ان الجذب في الاجسام الطبيعية يكون بضرورة الخلاء فإنه يجر الأشياء ليمتلئ بها ... كما ازدردت [ابتلعت] هذه القارورة الماء وجذبته الى جوفها سريعا. ( لكن #المبطلين_للخلاء قالوا) أما حجة القارورة التي تمص فيدخلها الماء فقد قيل إن ذلك ليس هو بخلاء حدث فيها و انما مقدار [حجم] الهواء الباقي في القارورة زاد بقهر المص وقسره فلما لقي الماء جره فملأ به المكان وعاد الى طبعه فإن المقادير أعراض [خواص وحالات] في الأجسام وهي كغيرها من الأعراض مثل الحرارة و البرودة ومثل الأمكنة في أن منها طبيعية [في وضع التوازن الاستقرار] كبرودة الماء و استقرار الحجر على الأرض ومنها قسرية [مزاحة عن حالة التوازن والاستقرار] كحرارة الماء المسخن وصعود الحجر والمقسور يرجع الى طبعه عند زوال القاسر كما يبرد الماء و يهبط الحجر فكذلك يكون المقدار للشيء بطبعه و يتغير بتغيره اما طبعا كالماء اذا تغير عن طبع المائية فصار هواء فإن مقداره يتغير فيعظم والهواء الذي صار ماء فإن مقداره و حجمه يصغر و اما قسرا مثل هذا المذكور في القارورة لأن المص أخذ قطعة من الهواء الموجود في تجويف القارورة فعظم مقدار الباقي ليملأها لا بالطبع بل بقسر المص وامتناع وجود الخلاء في تجويف القارورة فمدد الباقي في أقطاره حتى عظم و ملأ ما لو لم يملأه من المكان لخلا و اذاوجد هذا المقسور بدلا يملأ المكان جذبه اليه لقوة تضاهي قوة المص الجاذب فملأ به المكان و عاد الى حجمه وكذلك لو نُفِخ في القارورة نفخا قويا وفُتِحت لخرج منها هواء صالح فهو اذًا قد دخل اليها بقسر النفخ كما خرج ذلك بقسر المص وصغّر هذا حجم الهواء الذي فيها قسرا حتى وسع المكان للهواء الداخل كما عظّم ذلك حجم الهواء حتى ملأ مكان الخارج فلما وجد المقسور فرجة دفع عنه الداخل الزائد وعاد الى حجمه كما جذب ذلك عوض الخارج وعاد الى حجمه. وأصل هذا الجواب هو أن المقادير أعراض تارة في الأجسام كالحرارة و البرودة وحقيقتها غير حقيقة الأجسام و تزيد و تنقص طبعا و قسرا مثل الأعراض الأخرى فلهذا دخل الماء صاعدا في القارورة الممصوصة لا بجذب الخلاء فإن كان المجذوب انجذب بجذب الخلاء فالمدفوع لماذا اندفع؟ اذ يكون قد دخل في خلاء وحصل فيه فلماذا عاد مندفعا؟ان كان لأن الخلاء دفعه فلماذا دفعه ؟ أبطبعه؟ حتى يكون الخلاء أبدا يدفع الهواء ويباينه و كان الخلاء لا يدخله الهواء وهو على رأيهم يدخله وذلك الخلاء الذي خلا بالمص لم عاد يجذب ما يملؤه؟ وهل هو أبدا يجذب الى نفسه ما يملؤه فلا يبقى خاليا الا في الندرة؟ وبمثل هذا القسر المذكور و ان كان لمجيئه للهواء والماء المجذوبين خاصة فهو أبدا يجذبهما أو أحدهما فلا يبقى خاليا ولا يوجد الخلاء فإن كان لحالة أخرى فما هي تلك الحال و كيف أوجبت هذا. ثم يكتب #هبة_الله البغدادي عنوانا: في تصفح هذه الأقاويل وتتبعها وتحقيق الحق منها ويقول: وأما حجة القارورة التي تمص فيدخلها الماء و قولهم أن ذلك للزيادة في مقدار الهواء الذي يبقى فيها بعد المص ولا يجد لملأ المكان بدلا فيتمدد ليملأ المكان بالمص قسرا من غير زيادة في جوهره بل في مقداره وسائر ما قيل يقال في جوابه أن هذا المقدار[الحجم] الزائد الداخل على هذا المقدار الأول في مادته إما أن تكون معه زيادة في الجوهر [الكتلة] أو لا تكون فإن لم تكن فهذا المقدار هو الخلاء لأنه بعد امتدادي خال عن الصفات الجسمية [أي صفة محسوسة عدا الحجم] و ان كان مع زيادة في جوهره فقد انضاف هواء الى هواء فمن أين جاء هذا الهواء؟ [في الكلام إشارة هامة لمبدأ بقاء المادة] و لو كان لما امتصت القارورة الماء و الهواء بعد المص بعنف و قسر حتى يدخله في ملأ [ وسط مادي] فإن قيل ان الجوهر هو ذلك بعينه و انما زاد مقداره دون جوهره قيل وحينئذ أيوجد فرق بين الهواء الذي كان ملأ القارورة قبل المص وبين الهواء الذي ملأها بعده في حال ما و ما تلك الحال أو لا يوجد ؟؟ فإن لم يفترقا بحال فلم تجذب القارورة بعد المص ولا تجذب قبله وهي مملؤة في كلتي الحالتين بما لا يختلف؟ و ان وجد فرق فما هو وبماذا يخالف الهواء الاول الهواء الثاني. فان قيل بأن الثاني أرق والأول أكثف قيل ولم يجذب هذا الرقيق الماء ولا يجذبه الأكثف وهو اليه أنسب و به أشبه فإن الأكثف من الهواء أشبه بالماء من الأرق الألطف [هنا يستند على قاعدة قديمة ثبت بطلانها بعد تقدم العلوم تقول أن الشيء ينجذب لما يشبهه] ولم يجذب بقدر الممصوص ولا يجذب زيادة عليه ولا نقصانا؟ و أما قولهم بأن المقدار زاد قسرا بالمص والجذب كما سخن الماء و أصعد الحجر و عند زوال القاسر عادا الى طبيعتهما كذلك هذا له من الحجم و المقدار حد يستحقه بطبعه زاد بالمص عليه قسرا و عاد اليه بعد زوال القاسر. ويقال في جوابه ان كان هذا الجزء من الهواء يقتضي ذلك المقدار المعين أعني الذي في القارورة ما اقتضته طبيعة الهواء وجوهره والا كان مقدار الهواء أبدا هذا فكان يكون الهواء أجزاء مفرقة بهذا المقدار و ليس كذلك [المعروف الان أن الذي نفاه هبة الله هو الصواب فجزيئات الهواء تتوزع على الحجم] وانما اقتضاه على زعمهم هذا الجزء المعين المحوي في القارورة من الهواء لا بجوهره الذي هو لكل هواء بل بمقداره الذي اختص به فمقداره اقتضى مقداره و أوجبه فيكون الشيء قد أوجب نفسه هذا محال. وبسط الكلام في هذا هو أن نقول أن الهواء الموجود في القارورة هو جوهر ذو كيفية وكمية والهواء الممصوص الخارج منه هو جزء من الجوهر المكيف بتلك الكيفية المقدرة بتلك الكمية فجوهره جزء جوهر الكل و كميته جزء كمية الكل و الباقي في القارورة كذلك أيضا فالزيادة التي انضافت اليه حتى ملأ القارورة ان كانت من جنسه أعني جوهرا بتلك الكيفية و الكمية فلا فرق بين ما أمتلأت به من ذلك قبل المص و بعده فلم يجذب الماء بعد المص ولا يجذبه قبله و الذي فيها قبل وبعد واحد. وان كان الزائد على الباقي بعد المص هو مقدار بلا مادة فلا يخلو هذا المقدار الزائد من أن يطابق المقدار الذي يزيد عليه و يدخل معه في جوهره ومادته فلا يزيد حينئذ لأن طوله يداخل الطول و عرضه العرض وعمقه العمق فلا يزيد ولا يملأ المكان و اما أن يتصل به من غير مداخلة في الجوهر والمادة فهو مقدار بلا مادة به امتلأ المكان وهو الخلاء الذي أردناه فهذا المقدار الزائد اذا لم يزد معه الجوهر و الجوهر الأول موضوع لذلك المقدار الأول فقد وجد هذا في غير مادة ولا جوهر حامل وبه أمتلأ المكان والا فكيف تتصور هذه الزيادة ثم ان هذا المتمحل اضطر اليه لما أبطل الخلاء بما بطل به من هذه الحجج التي لم يثبت منها شيء واذا كان الخلاء لم يبطل بها فلم يترك الوجه الأظهر و يتمحل مثل هءا التمحل الذي لم يفد ولم تدع اليه ضرورة. ثم يورد هبة الله سؤالا لكنه يقرر أنه لا يؤثر في القضية المتنازع عليها: فإن قيل اذا كان الخلاء فهذا الجذب لماذا ألأن الخلاء يجذب الى نفسه حتى يمتليء أم الملأ يملأ ما جاوره من الخلاء. فقلنا ان المسألة لا يتوقف علمها على علم هذا الذي ان علم فقد حصل علم مهم أيضا و إن لم يعلم لم يضر فيما قد علم من أمر الخلاء و يثبت بما ثبت من حججه و بما أبطل من مناقضتها وستعلم فيما بعد كيف يكون هذا الجذب و أن الملأ المجاور للخلاء هو الجاذب الى الخلاء بقوته وطبيعته لا بقوة الخلاء وقد وجدنا الماء في الجذب الذي ينقص منه والدفع الذي يزيد فيه فيدخل ماء في ماء ويخرج ماء من ماء والحجم في كلتي الحالتين سواء والمكان ملأ ويعود بعد زوال القاسر الى حجمه الأول بجذب ما يملأ ودفع ما يزاحم كما كان في الهواء الا أنه في الماء أقل مما في الهواء.

No comments:

Post a Comment